أَقُولُ ما تسمعون وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ رَمَضَانَ وَرَبِّ شَوَّالٍ وَرَبِّ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ الْعَابِدِ الصَّوَّامِ الْقَوَّامِ فِي رَمَضَانَ وَكُلِّ الشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ. فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ خَلَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَى اللهِ خَلَفٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]. إن العيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمه، ومعان جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها. فالعيد في معناه الشرعي شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضا واطمئنانا، وتظهر في علانيته فرحا وابتهاجا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.
ماذا بعد رمضان صيد الفوائد ، هو عنوان هذا المقال، ومن المعلوم أنَّ شهر رمضان الفضيل ما هو إلَّا أيامًا معدودات كما قال تعالى: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وحيث تكثر العبادات فيه، وربما يقطعها الكثير بعده، فإنَّه سيتمُّ تخصيص هذا المقال للحديث عن كيفية المحافظة على ما كان المسلم عليه في رمضان.
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أيها الإخوة الكرام! إذا كان الله عز وجل ودوداً يتودد إلى عباده، ويتحبب إليهم بنعمه، فنحن نعلم يقيناً أن المرء لو رزق النبل وسلامة الأصل لا يقابل فعل الكريم بلؤم. إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فأي رجل عنده نبل لا يعق ربه أبداً، من قرت عينه بالله قرت به كل عين، وأنس به كل مستوحش، وأمن به كل خائف، وفرح به كل حزين، وعز به كل ذليل، وجرب من عق ربه عز وجل أرسل طرفك معه وهو يعامل عباد الله، لا يخلو من لؤم أبداً، أما الإنسان الأصيل فلا يعق ربه. فإذا كان الله عز وجل يتحبب إلينا بذلك ونحن نُدبر عنه فيا ترى! ما هو العلاج؟ وما هو الحل؟ الحل أن تحب ربك، إنك إذا أحببته وهو أهل للحب لا يحب لذاته إلا الله، لا نبي ولا ملك، يحب لذاته، وإنما أحببناهم لأن الله قربهم، ولأن الله عز وجل اجتباهم واصطفاهم على العالمين؛ لذلك أحببناهم، ولو نزع الله عز وجل منهم الاصطفاء لأبغضناهم، إذاً: فلا يحب لذاته إلا الله عز وجل.
ومعنى هذا الحديث أنه على النساء أن تقضي ما فاتها من صيام رمضان حتى لو قبل رمضان التالي فشعبان، وهذا يعني أنها عبادة قد تكون طوال العام. هذه الأمور، مع العديد من العبادات الأخرى مثل المواظبة على تلاوة القرآن يومياً وصلاة قيام الليل ولو ركعتين في جوف الليل، وكذلك الصيام أيام الأثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر عربي، وكذلك الصدقة حتى لو بشق تمرة وغيرها من العبادات التي يواظب عليها المسلم طوال السنة. هذه الخطة للعبادة طوال العام حتى رمضان المقبل تجعل منا مؤمنين بالله مواظبين على العبادة نزيد في ميزان حسناتنا و نمحي ذنوبنا وخطايانا حتى ننال رضا الله تعالى وجنة الفردوس. بواسطة: Asmaa Majeed مقالات ذات صلة
إذا حققت معنى العبودية لم تر مشقة لأمر ولا لنهي، إن راكب مركب الحب لا يضل، الحب مطية لا يضل راكبها، والعبادة بالحب وإن قلت أفضل من العبادة بالخوف وإن عظمت وزادت، ولذلك ترى في عبادة المحبين من الروح مالا تراه في عبادة غيرهم؛ لأنهم يعبدون الله عز وجل حق عبادته، ولله در أبي الطيب المتنبي لما قال وهو يقرب هذا المعنى: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم إن كان سرّكُمُ ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكمو ألم هذا عنوان صدق المحبة! طالما أنه راضٍ فلا أشعر بألم الجرح، وفي بعض الأدعية التي تعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكنها بسند ضعيف أنه كان يناجي ربه، فيقول: ( لك العتبى حتى ترضى، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي) وهذا هو معنى الحب، فإذا أحب الله عز وجل ورضي فلن تشعر بأي تكليف، ولا بأية مشقة، ولله در الشاعر المجيد أبي الشيص الذي قال أيضاً في توضيح هذا المعنى: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخراً عنه ولا متقدم وأهنتني فأهنت نفسي جاهداً ما من يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهم أجد الملامة في هواك لذيذة حباً لذكرك فليلمني اللوم إن علاج هذا الإدبار أن تحب ربك.